كثيرون يعثرون على الحب في وقت مناسب تمامًا، ويكون أمامهم جاهزًا شهيًا كـ"الملوخية بالأرانب"، لكنهم يتخوفون ويتراجعون إلى الخلف مئات الخطوات، ليس لأنهم "مش بيحبوا الأرانب أو مش بيستلطفوا الملوخية"، وإنما لأن لديهم انطباعات مسبقة عن الحب -وبالتالي الزواج الذي هو التطور الطبيعي للحب الحقيقي- تجعلهم يفرون منه كما لو كان كائنًا خرافيًا مرعبًا يمتص دماء ضحاياه وهو يطلق ضحكة مفزعة "هع هع هعوع هعوع!".
ومعظم هذه الانطباعات المسبقة تكون منقولة عن خبرات وتجارب آخرين، ذاقوا الحب فوجدوا طعمه كـ"الكرنب المخفوق في البطاطس المهروسة بقطع من السبانخ والضفادع المسلوقة"- يععععع!-، وهؤلاء - أي الآخرون- يتحولون إلى أعداء شرسين للحب، ويشحذون كل أسلحتهم في سبيل التشنيع عليه، ووصفه بكل الصفات السيئة القبيحة من أول أنه لا يرتدي "البامبرز" ونهاية بكونه يسرق العمر ع الفاضي كحرامي محترف.
ولأن البني آدم بطبعه محبًا للخير، فستجد أن كثيرًا من هذه الخبرات السيئة انتقلت عبر الأجيال واحدة تلو الأخرى، ولأن البني آدم -بطبعه برضه وخصوصًا إذا كان مصريًا!- لا يمكن أن يترك قولًا أو عبارة أو خبرة تمر عليه دون أن يضيف عليها بعض المشيهات، فستجد أن كمّ الخبرات والمقولات السيئة عن الحب وابن عمه الزواج، تزداد وتتراكم، بل وتزداد ترسخًا وقبولًا لدى الجميع حتى تصل إلى مرحلة الحقيقة العلمية المؤكدة "حاجة كده زي أن الشمس تشرق من الشرق وتغرب من الغرب"!.
نحن هنا لن نتعامل مع مثل هذه الأقوال كحقائق علمية، وإنما سنضعها في حجمها الطبيعي الذي لا يعني سوى شيئًا واحدًا، .. هذه شائعات حضرتك.. مش بس كده.. دي شائعات مغرضة كمان!.. صحيح أن بعضها يستند إلى بعض الحقيقة لكن الأكيد أن بعضها الآخر لا أساس له من الصحة.. حتى شوف
الحب يأتي بعد الزواج "ما تعرفش راكب إيه؟!"
هذه شائعة "عكسية" تسعى لإقناعك بالزواج المبكر بدون حب استنادًا لمقولة "سعيد صالح" الشهيرة في مسرحية "العيال كبرت" "يا سيدي أهو كله برتقال!"، بمعنى أن "زيد" مثل "عبيد"، ليس من الضروري أن ترتبط عن حب لأنه -أي الحب- جاي جاي بعد الزواج إن شاء الله، راكب عجلة من الصين.. راكب أتوبيس 35.. راكب عربية 128 مهكعة.. أهو جاي جاي، وهذه شائعة تحقق نتائج عكسية.. لأن هناك من يتطلع إلى نتائجها عبر تجارب الآخرين وبطبيعة الحال فإنه يصاب بالفزع.. لا يحتاج الأمر إلى مستشار اجتماعي أو أسري ليعرف أن هناك حالة طلاق تحدث كل 6 دقائق في مصر.. وهو رقم كابوسي بامتياز مهما قيل عن أسبابه الاقتصادية والاجتماعية فحتما السبب الرئيسي الذي يقف خلفه هو "غياب الحب"، طب كان فين الحب حضرتك بقى بعد الجواز؟ محجوز في المطار عشان مش معاه جواز سفر؟
القصد هو أن الحب يمكن أن "يزيد" أو "يقل" بعد الزواج، لكنه مثله مثل الطاقة لا يفنى ولا يستحدث من العدم، لابد أن يكون هناك حب ولو بنسبة قليلة قبل الزواج حتى يمكن أن يكون سندًا للحياة الزوجية فيما بعد، وعليه فمقولة "الحب يأتي بعد الزواج" شائعة من ساسها لراسها -هو يعني إيه ساسها أصلا؟!.
الحب ينتهي بعد الزواج "Expired!"
شائعة أخرى تتعامل مع الحب باعتباره حجر "إيفريدي" تنتهي طاقته بعد استخدامه خمس مرات مع عروسة لعبة تغني "بابا فين؟!"، وهي شائعة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالشائعة السابقة - الحب يأتي بعد الزواج- رغم أنهما متضادتان، لأن كلًا منهما تتعامل مع الحب باعتباره عنصرًا فرعيًا في الحياة الزوجية وليس عنصرًا أساسيًا، لوحة جميلة يمكن أن يعلقها المرء في البيت وليس خرسانة مسلحة لا يمكن الاستغناء عنها عند تشييد أي بناء، وهي شائعة خاطئة وفاسدة مفسدة أيضًا، لأن الاقتناع بها يجعل الحياة الزوجية -أو حتى مرحلة الخطوبة أو الارتباط الأوّلي- مشدودة ومتوترة كأعصاب "حسن شحاتة" في بطولة كأس الأمم الإفريقية، وهو أمر كفيل بإفساد العلاقة مبكرا على اعتبار "احنا نخلّص من بدري أحسن ما نتجوز وبعدين نفرّج الناس علينا"، صحيح أن الحب فعلا ربما يقل بعد الزواج لاعتبارات كثيرة أو بتعبير آخر ربما يأخذ صورًا غير صورته التقليدية المعتادة المختزلة في كلمة "بحبك" ونظرات الاشتياق وهدايا "الفالنتين"، لكنه بكل تأكيد لو كانت العلاقة قائمة على حب حقيقي فإن هذا الحب لن يختفي أبدًا بعد الزواج.. يعني دي برضه فشنك.
إن دخل الفقر من الباب
هرب الحب من الشباك قائلا :"يافكيك"!
همممممممم... هذه شائعة أو مقولة فيها بعض الصحة، نكرر "بعض" وليس "كل" الصحة، في كتابه الممتع "أفكار تافهة لرجل كسول" يقول الكاتب البريطاني "جيروم.ك.جيروم" "الفقر ليس مشكلة، المشكلة هي أن يعرف الناس أنك فقير"، وهو قول حكيم جدا، لأنه من الممكن أن تتحمل أن تقضي يومك بلا أكل دسم وتكتفي بعدد 2 ساندويتش فول أو تضرب طبق كشري بجنيه ونص، يمكن أن تتخلى عن زيارتك الأسبوعية للسينما، وشراء جريدتك اليومية المفضلة، وأن تتوقف عن اقتناء الكتب، وتعود إلى المكتبات العامة لتسترجع ذكريات المكتبة المدرسية وجمال "الاستعارة"، يمكنك حتى أن تظل بنفس القميص والبنطلون لمدة 350 يومًا في السنة والباقي تقضيه إجازات في البيت، بل يمكن حتى أن تفعل كل هذا وأنت متزوج، ويمكن أن تتقاسم معك زوجتك كل هذه الهموم والأحمال الثقيلة والفقر الذي يمكن توزيعه على الملايين فلا ينتهي، فقط إذا كان يجمع بينكما قدر كبير من الحب الذي يعني في أحيان كثيرة -تحمُّل المسئولية المشتركة-، لكن ربما إذا خرج الفقر- فقركما- من الشباك -أي عرف به الآخرون- لانقلبت الأحوال، فتدخل "النفسنة" و"عقدة المقارنة" لتفسد بعض الأمور، وتتكفل نظرات الإشفاق ومصمصات الشفاة التي يقوم بها الآخرون لتفسد البعض الباقي، وعادة فإن ملامح الفقر لا تظهر على زوجين أو محبين إلا إذا كانا بالفعل لا يجمع بينهما حب حقيقي، أي أنه إذا دخل الفقر من الباب لن يخرج الحب من الشباك؛ لأن الحب في هذه الحالة لم يكن موجودا أصلًا!
الخناق بين المحبين هو الملح والفلفل
"سبايسي يعني!"
لو كنت "فولة" وانقسمت إلى نصفين وأصبحت "نصفًا" يمشي على قدمين، وبعد كام سنة قابلت "نصفك" الثاني، فأحببته ثم تزوجته، برضه ستحدث مشكلات واختلافات بينك وبينه، حتى لو تمتعت أنت بأقصى درجات المرونة والبرودة الواردة للتو من القطب الشمالي، ومهما كنت صاحب روح رياضية تجعلك تتقبل الهزيمة من فريق درجة رابعة على ملعبك 121/ صفر، وحتى لو كنت تحب حبيبتك أو زوجتك، حب الطعمية للزيت، وحب الفول للعيش أبو "شلن"، برضه.. هتلف هتلف، هتناور وهتفوت وفي الآخر هتختلف مع من تحب.. لأن الاختلاف طبيعة بشرية أصيلة، تحدث للواحد منا مع نفسه هو شخصيا -كم مرة ضبطت نفسك متضايق من نفسك ومش طايقها؟!- والمنطقي أن يحدث ذلك مع الآخرين، حتى الأكثر قربًا وحبًا، لكن الفكرة كلها تكمن في الشكل الذي يخرج به هذا الاختلاف، هل يتم فيه استخدام السنج والمطاوي والسيوف وعبارات تحمل دلالات غير مهذبة من نوعية "اوع يغرك جسمك؟!"، أم أنه يتم في إطار راقٍ وهادئ ومتزن، يعترف فيه المخطئ بخطئه في نهاية الأمر؟
النوع الأول -بتاع اوع يغرك جسمك- ليس ملحًا أو فلفل أو شطة، ده نار متقدة حضرتك، كفيلة بإحراق العلاقة والبيت كله بالمناسبة خصوصًا إذا لم تكن أمرًا عارضًا استثنائيًا، أما النوع الثاني فهو ملح وفلفل فعلا لكنه سريع الذوبان ضعيف التأثير، وهو ما يظهر في قصص الحب "اللي بجد"، والمعنى الواضح والصريح هنا أنه لا يجب أن تخاف من الشجار أو الاختلاف في مرحلة ما بعد الزواج إذا ما كانت العلاقة قائمة على حب حقيقي، حتى لو كانت الاختلافات كبيرة بين الطرفين، فإن بعضًا من الملح والفلفل لا يضر فعلا.. اتِّكِل يعني!
الحب يلغي الحياة الشخصية
"Shift +Delete"
هذه شائعة محببة وسبب وجيه جدًا للابتعاد عن الحب والزواج يقدمه البشر المذءوبين!، ليس الذين يعانون من مرض الذئب الأسطوري الشهير فيتحولون إلى حيوانات شرسة ليلة اكتمال القمر قبل أن يهتفوا وهم ينظرون إلى البدر "أعوووووووووو!"، ولكن لأولئك الذين يفضلون العيش في وحدة و"استوحاد" وفردية وتفرد، أولئك الذين لا يعرفون من الأرقام إلا "الآحاد" ولا علاقة لهم بالعشرات أو المئات، أولئك الذين تكون متعتهم الوحيدة في الدنيا هي ركوب قطار طويل من 10 عربات لا يستقله إلا هم والسائق فقط -وياريت السواق يكون إنسانًا آليًا!- ، هؤلاء الذين يتحدثون عن "الفرد" و"المواطن" و"الحرية الفردية" ولا يطيقون سماع كلمة "أسرة" أو "مجتمع" أو "حرية مشتركة"، حتى عندما تسألهم عن السبب الذي يجعلهم يقاطعون الحب والزواج كما قاطع بعض العرب "كنتاكي" و"ماكدونالدز" وقت الغزو الأمريكي للعراق تكون الإجابة "ياعم وأدخَّل حد معايا شريك في حياتي ليه.. أنا كده فل وعشرة وميّة كمان.. أخرج وقت ما أخرج.. أتفسح وقت ما أتفسح وأنام وقت ما أنام"، وهي وجهة نظر سليمة ولطيفة فعلا فقط لو كان هذا الأخ أو الأخت يعيشون في تلك الجزيرة المعزولة التي عاش فيها "روبنسون كروزو" في الرواية الشهيرة التي كتبها البريطاني "دانيل ديفو" وحملت اسم بطلها، أي أنهم سيعيشون بمفردهم وفي عزلة بعيدًا عن كل البشر، فلا صحبة ولا رفاق ولا ناس يشاركونك السير في الشارع أو التزاحم على طابور العيش أو الحشر في الميكروباص، أي يعيشون في هذا الكون بلا بشر، ده حتى "روبنسون كروزو" لم يتحمل العيش بمفرده وعاد إلى أوربا في نهاية الرواية.
القصد، بأن الحياة بالأساس "مشاركة"، ويا سلام لو كانت هذه المشاركة بين اثنين يحبان بعضهما البعض، ذروة المتعة في كثير من الأشياء هي أن تجد تفاصيلًا مشتركة تجمعك مع من تحب، حتى لو كانت تفاصيل صغيرة جدا كحب المشي على الكورنيش ساعة مغربية، أو شرب الشاي في البلكونة ساعة العصاري، أو تربية العصافير أو اقتناء الزهور البلدي، هذه تفاصيل تُجمِّل الحياة وتجعلها أحلى وألذ -حتى دوق!.. والأجمل أنها لا تلغي أبدًا حياتك الشخصية، صحيح - حتى نكون صرحاء- أن هناك تغيرًا سيطرأ على طبيعة معيشتك قبل الحب والزواج وبعده، وصحيح أنك لن تستطيع أن تفعل كل ما كنت تستطيع القيام به وأنت أعزب وحيدًا في هذا العالم كـ"ويل سميث" في فيلم I am Legend ، لكن الأكيد أن هناك مفردات جمال وسعادة أخرى ستدخل قاموسك فور أن تحب وبعد أن تجتمع في شقة "محندقة" مع زوجتك.. يعني دوس ما تخافش!